إن ظل الضخامة واضح في السياق. فالإشارة في السماء إلى البروج الضخمة تبدو ضخامتها حتى في جرس كلمة ﴿ بروج ﴾ وحتى الشهاب المتحرك وصف من قبل بأنه ﴿ مبين ﴾.. والإشارة في الأرض إلى الرواسي ويتجسم ثقلها في التعبير بقوله :﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾. وإلى النبات موصوفاً بأنه ﴿ موزون ﴾ وهي كلمة ذات ثقل، وإن كان معناها أن كل نبت في هذه الأرض في خلقه دقة وإحكام وتقدير.. ويشترك في ظل التضخيم جمع ﴿ معايش ﴾ وتنكيرها، وكذلك ﴿ ومن لستم له برازقين ﴾ من كل ما في الأرض من أحياء على وجه الإجمال والإبهام. فكلها تخلع ظل الضخامة الذي يجلل المشهد المرسوم.
والآية الكونية هنا تتجاوز الآفاق إلى الأنفس. فهذه الأرض الممدودة للنظر والخطو ؛ وهذه الرواسي الملقاه على الأرض، تصاحبها الإشارة إلى النبت الموزون ؛ ومنه إلى المعايش التي جعلها الله للناس في هذه الأرض. وهي الأرزاق المؤهلة للعيش والحياة فيها. وهي كثيرة شتى، يجملها السياق هنا ويبهمها لتلقي ظل الضخامة كما أسلفنا. جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم كذلك ﴿ من لستم له برازقين ﴾. فهم يعيشون على أرزاق الله التي جعلها لهم في الأرض. وما أنتم إلا أمة من هذه الأمم التي لا تحصى. أمة لا ترزق سواها إنما الله يرزقها ويرزق سواها، ثم يتفضل عليها فيجعل لمنفعتها ومتاعها وخدمتها أمماً أخرى تعيش من رزق الله، ولا تكلفها شيئاً.
هذه الأرزاق ككل شيء مقدرة في علم الله، تابعة لأمره ومشيئته، يصرفها حيث يشاء وكما يريد، في الوقت الذي يريده حسب سنته التي ارتضاها، وأجراها في الناس والأرزاق :
﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾..
فما من مخلوق يقدر على شيء أو يملك شيئاً، إنما خزائن كل شيء مصادره وموارده عند الله. في علاه. ينزله على الخلق في عوالمهم ﴿ بقدر معلوم ﴾ فليس من شيء ينزل جزافاً، وليس من شيء يتم اعتباطاً.


الصفحة التالية
Icon