وحاصل الأمر فيه أن المراد أن جميع الممكنات مقدورة له، ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجود كيف شاء إلا أنه تعالى وإن كانت مقدوراته غير متناهية إلا أن الذي يخرجه منها إلى الوجود يجب أن يكون متناهياً لأن دخول ما لا نهاية له في الوجود محال فقوله :﴿وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ إشارة إلى كون مقدوراته غير متناهية وقوله :﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ إشارة إلى أن كل ما يدخل منها في الوجود فهو متناه، ومتى كان الخارج منها إلى الوجود متناهياً كان لا محالة مختصاً في الحدوث بوقت مقدر مع جواز حصوله قبل ذلك الوقت أو بعده بدلاً عنه، وكان مختصاً بحيز معين مع جواز حصوله في سائر الأحياز بدلاً عن ذلك الحيز، وكان مختصاً بصفات معينة، مع أنه كان يجوز في العقل حصول سائر الصفات بدلاً عن تلك الصفات، وإذا كان كذلك كان اختصاص تلك الأشياء المتناهية بذلك الوقت المعين والحيز المعين، والصفات المعينة بدلاً عن أضدادها لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص وتقدير مقدر، وهذا هو المراد من قوله :﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ والمعنى : أنه لولا القادر المختار الذي خصص تلك الأشياء بتلك الأحوال الجائزة لامتنع اختصاصها بتلك الصفات الجائزة، والمراد من الإنزال الإحداث والإنشاء والإبداع كقوله تعالى :
﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج﴾ [ الزمر : ٦ ] وقوله :﴿وَأَنزْلْنَا الحديد﴾ [ الحديد : ٢٥ ]، والله أعلم.
المسألة الثانية :