وأما الجواب عن الثاني : فهو أنه قال في هذه الآية :﴿رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأزَيّنَنَّ لَهُمْ﴾ فالمراد ههنا من قوله :﴿لأزَيّنَنَّ لَهُمْ﴾ هو المراد من قوله في تلك الآية :﴿لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ إلا أنه بين في هذه الآية أنه إنما أمكنه أن يزين لهم الأباطيل لأجل أن الله تعالى أغواه قبل ذلك، وعلى هذا التقدير فقد زال التناقض ويتأكد هذا بما ذكره الله تعالى حكاية عن الشياطين في سورة القصص :
﴿هَؤُلاء الذين أَغْوَيْنَا أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا﴾ [ القصص : ٦٣ ].
السؤال السادس : أنه اقل :﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ وهذا اعتراف بأن الله تعالى أغواه فنقول : إما أن يقال : إنه كان قد عرف بأن الله تعالى أغواه، أو ما عرف ذلك، فإن كان قد عرف بأن الله تعالى أغواه امتنع كونه غاوياً لأنه إنما يعرف أن الله تعالى أغواه إذا عرف أن الذي هو عليه جهل وباطل، ومن عرف ذلك امتنع بقاؤه على الجهل والضلالة، وأما إن قلنا : بأنه ما عرف أن الله أغواه فكيف أمكنه أن يقول :﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ فهذا مجموع السؤالات الواردة في هذه الآية.
أما الإشكال الأول : فللمعتزلة فيه طريقان :
الطريق الأول : وهو طريق الجبائي أنه تعالى إنما أمهل إبليس تلك المدة الطويلة، لأنه تعالى علم أنه لا يتفاوت أحوال الناس بسبب وسوسته، فبتقدير أن لا يوجد إبليس ولا وسوسته فإن ذلك الكافر، والعاصي كان يأتي بذلك الكفر والمعصية، فلما كان الأمر كذلك، لا جرم أمهله هذه المدة.