وقال الماوردى :
قوله عز وجل :﴿ قال رَبِّ فأنظرني إلى يوم يبعثونَ ﴾
وهذا السؤال من إبليس لم يكن من ثقة منه بمنزلته عند الله تعالى وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه كفعل الآيس من السلامة. وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون أن لا يموت، لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده.
فقال الله تعالى :﴿ فإنك من المنظرين ﴾ يعني من المؤجلين.
﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾ فلم يجبه إلى البقاء.
وفي الوقت المعلوم وجهان :
أحدهما : معلوم عند الله تعالى، مجهول عند إبليس.
الثاني : إلى يوم النفخة الأولى يموت إبليس. وبين النفخة والنفخة أربعون سنة. فتكون مدة موت إبليس أربعين سنة، وهو قول ابن عباس وسمي يوم الوقت المعلوم لموت جميع الخلائق فيه.
وليس هذا من الله تعالى إجابة لسؤاله، لأن الإجابة تكرمة، ولكن زيادة في بلائه، ويعرف أنه لا يضر بفعله غير نفسه.
وفي كلام الله تعالى له قولان :
أحدهما : أنه كلمه على لسان رسول.
الثاني : أنه كلمه تغليظاً في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.
قوله عز وجل :﴿ قال ربِّ بما أغوَيتني ﴾
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بما أضللتني، قاله ابن عباس.
الثاني : بما خيبتني من رحمتك.
الثالث : بما نسبتني إلى الإغواء.
ويحتمل هذا من إبليس وجهين :
أحدهما : أنه يقوله على وجه القسم وتقديره : وحق إغوائك لي.
الثاني : أنه يقوله على وجه الجزاء، وتقديره لأجل إغوائك لي.
﴿ لأزينن لهم في الأرض ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لأزينن لهم فعل المعاصي.
الثاني : لأشغلنهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعة. ﴿ ولأغوينهم أجمعين ﴾ أي لأضلنهم عن الهدى.
﴿ إلاّ عبادك منهم المخلصين ﴾ وهم الذين أخلصوا العبادة من فساد أو رياء حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلص للّه، فقال : الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس.