ولما كان طلبهم في هذه الصورة للملائكة على وجه أوكد مما في سورة هود عليه السلام، أشار لهم إلى ما في رؤية الملائكة من الخوف ولو كانوا مبشرين وفي أحسن صورة من صور البشر - بقوله :﴿قال﴾ بلسان الحال أو القال :﴿إنا﴾ أي أنا ومن عندي ﴿منكم وجلون﴾ وأسقط ذكر جوابه بالسلام، ولا يقدح ذلك فيما في سورة هود وغيرها من ذكره، فإن إذ ظرف زمان بمعنى حين، والحين قد يكون واسعاً، فيذكر ما فيه تارة جميعه على ترتيبه، وأخرى على غير ذلك، وتارة بعضه مع إسقاط البعض مع صدق جميع وجوه الإخبار لكونه كان مشتملاً على الجميع، وتكون هذه التصرفات على هذه الوجوه لمعانٍ يستخرجها من أراد الله.
ولما أخبر أنه أخبرهم بوجله منهم، تشوف السامع إلى جوابهم فقال :﴿قالوا﴾ مريدين أمنه :﴿لا توجل﴾ والوجل : اضطراب النفس لتوقع ما يكره ؛ ثم عللوا ذلك بقولهم مؤكدين لقلع ما في نفسه من الوجل المنافي للبشرى ﴿إنا نبشرك بغلام﴾ أي ولد ذكر هو في غاية القوة وليس هو كأولاد الشيوخ ضعيفاً.
ولما كان خوفه لخفاء أمرهم عليه، كان للوصف بالعلم في هذا السياق مزيد مزية فقالوا :﴿عليم﴾ فكأنه قيل : فما قال؟ فقيل :﴿قال﴾ مظهراً للتعجب إرادة تحقيق الأمر وتأكيده :﴿أبشرتموني﴾ أي بذلك ﴿على أن مسني الكبر﴾ أي الذي لا حركة معه يأتي منها ولد، أم على أن أعود شاباً؟ ولذلك سبب عنه قوله :﴿فبم تبشرون﴾ بينوا لي ذلك بياناً شافياً ﴿قالوا بشرناك بالحق﴾ أي الأمر الثابت المقطوع به الواقع لا محالة الذي يطابق خبرنا ﴿فلا تكن﴾ أي بسبب تبشيرنا لك بالحق ﴿من القانطين﴾ أي الآئسين الذين ركنوا إلى يأسهم، لقولك نحو أقوالهم.


الصفحة التالية
Icon