فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قوله :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ سؤال عما لأجله أرسلهم الله تعالى، والخطب والشأن والأمر سواء : إلا أن لفظ الخطب أدل على عظم الحال.
فإن قيل : إن الملائكة لما بشروه بالولد الذكر العليم فكيف قال لهم بعد ذلك :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون ﴾.
قلنا : فيه وجوه : الأول : قال الأصم : معناه ما الأمر الذي توجهتم له سوى البشرى.
الثاني : قال القاضي : إنه علم أنه لو كان كمال المقصود إيصال البشارة لكان الواحد من الملائكة كافياً، فلما رأى جمعاً من الملائكة علم أن لهم غرضاً آخر سوى إيصال البشارة فلا جرم قال :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون ﴾.
الثالث : يمكن أن يقال إنهم قالوا : إنا نبشرك بغلام عليم.
في معرض إزالة الخوف والوجل، ألا ترى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خاف قالوا له :﴿لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم﴾ [ الحجر : ٥٣ ] ولو كان تمام المقصود من المجيء هو ذكر تلك البشارة لكانوا في أول ما دخلوا عليه ذكروا تلك البشارة، فلما لم يكن الأمر كذلك علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الطريق أنه ما كان مجيئهم لمجرد هذه البشارة بل كان لغرض آخر فلا جرم سألهم عن ذلك الغرض فقال :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون ﴾.
ثم حكى تعالى عن الملائكة أنهم قالوا :﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ وإنما اقتصروا على هذا القدر لعلم إبراهيم عليه السلام بأن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لإهلاكهم واستئصالهم وأيضاً فقولهم :﴿إِلا ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يدل على أن المراد بذلك الإرسال إهلاك القوم.
أما قوله تعالى :﴿إِلا ءالَ لُوطٍ﴾ فالمراد من آل لوط أتباعه الذين كانوا على دينه.
فإن قيل : قوله :﴿إِلا ءالَ لُوطٍ﴾ هل هو استثناء منقطع أو متصل ؟


الصفحة التالية
Icon