وقال القرطبى :
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : لما علم أنهم ملائكة إذ أخبروه بأمر خارق للعادة وهو بشراهم بالولد قال : فما خطبكم؟ والخطب الأمر الخطير.
أي فما أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به.
﴿ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴾ أي مشركين ضالين.
وفي الكلام إضمار ؛ أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم.
﴿ إِلاَّ آلَ لُوطٍ ﴾ أتباعه وأهل دينه.
﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ ﴾ وقرأ حمزة والكسائي "لَمُنْجُوهم" بالتخفيف من أنجى.
الباقون : بالتشديد من نجّى، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
والتنجية والإنجاء التخليص.
﴿ إِلاَّ امرأته ﴾ استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك.
وقد تقدّمت قصة قوم لوط في "الأعراف" وسورة "هود" بما فيه كفاية.
﴿ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين ﴾ أي قضينا وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب.
والغابر : الباقي.
قال :
لا تكسع الشّوْل بأغبارها...
إنك لا تدري مَنِ النّاتج
الأغبار بقايا اللبن.
وقرأ أبو بكر والمفضل "قَدَرنا" بالتخفيف هنا وفي النمل، وشدد الباقون.
الهَروِيّ : يقال قدّر وقَدَر، بمعنًى.
الثانية : لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن الإستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ؛ فإذا قال رجل : له عليّ عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهماً ؛ ثبت الإقرار بسبعة ؛ لأن الدرهم مستثنًى من الأربعة، وهو مثبت لأنه مستثنى من منفي، وكانت الأربعة منفية لأنها مستثناة من موجب وهو العشرة، فعاد الدرهم إلى الستة فصارت سبعة.
وكذلك لو قال : عليّ خمسة دراهم إلا درهماً إلا ثلثيه ؛ كان عليه أربعة دراهم وثلث.
وكذلك إذا قال : لفلان عليّ عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ؛ كان الاستثناء الثاني راجعاً إلى ما قبله، والثالث إلى الثاني فيكون عليه درهمان ؛ لأن العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر.


الصفحة التالية
Icon