وقال الرماني : إنه الأمر الجليل ﴿يا أيها المرسلون﴾ فإنكم ما جئتم إلا لأمر عظيم يكون فيصلاً بين هالك وناج ﴿قالوا إنا﴾ ولما كان عالماً بمرسلهم، بنوا للمفعول قولهم :﴿أرسلنا﴾ أي بإرسال العزيز الحكيم الذي أنت أعرف الناس في هذا الزمان به ﴿إلى قوم﴾ أي ذوي منعة ﴿مجرمين﴾ أي عريقين في الإجرام كلهم.
ولما كان إرسالهم للعذاب، قالوا مستثنين من الضمير في ﴿مجرمين﴾ أي قد أجرموا كلهم إجراماً عظيماً ﴿إلا آل لوط﴾ فاستثنوهم من أن يكونوا مجرمين، المستلزم لكونهم ما أرسلوا لتعذيبهم، فكان ذلك محركاً للنفس إلى السؤال عن حالهم، فإنهم ممن وقع الإرسال بسببه، فأجابوا بقولهم :﴿إنا لمنجوهم﴾ أي تنجية عظيمة بتدريج الأسباب على العادة ﴿أجمعين إلا امرأته ﴾.
فلما استثنوها من أن ينجّوها فكان أمرها محتملاً لأن تعذب ولأن ينجيها الله تعالى بسبب غيرهم، تشوفت النفس للوقوف على ما قضى الله به من ذلك، فقيل بإسناد الفعل إلى أنفسهم لما لهم من الاختصاص بالمقدر سبحانه :﴿قدرنا﴾ ولما كان فعل التقدير متضمناً للعلم، علقه عن قوله :﴿إنها﴾ أي امرأته، وأكد لأجل ما أشير إليه هنا من عظيم تشوف الخليل عليه السلام إلى معرفة أمرهم وتشديد سؤاله، في نجاة لوط عليه السلام وجميع آله - كما مضى التصريح به في هود - فطماً له عن سؤال في نجاتها بخلاف ما في النمل، فإن سياقها عار عن ذلك ﴿لمن الغابرين﴾ أي الباقين الذين لا ينجون مع لوط عليه السلام، بل تكون في الهلاك والعبرة ؛ والآل - قال الرماني : أهل من يرجعون إلى ولايته، ولهذا يقال : أهل البلد، ولا يقال آل البلد، والتقدير : جعل الشيء على مقدار غيره لتظهر المساواة والمباينة، والغابر : الباقي فيمن يهلك.