والقول الثالث : قال بعضهم :﴿ولا تمدن عينيك﴾ أي لا تحسدن أحداً على ما أوتي من الدنيا قال القاضي : هذا بعيد، لأن الحسد من كل أحد قبيح، لأنه إرادة لزوال نعم الغير عنه، وذلك يجري مجرى الاعتراض على الله تعالى والاستقباح لحكمه وقضائه، وذلك من كل أحد قبيح، فكيف يحسن تخصيص الرسول ﷺ به ؟
أما قوله تعالى :﴿أزواجاً منهم﴾ قال ابن قتيبة أي أصنافاً من الكفار، والزوج في اللغة الصنف ثم قال :﴿ولا تحزن عليهم﴾ إن لم يؤمنوا فيقوى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون.
والحاصل أن قوله :﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم﴾ نهي له عن الالتفات إلى أموالهم وقوله :﴿ولا تحزن عليهم﴾ نهي له عن الالتفات إليهم وأن يحصل لهم في قلبه قدر ووزن.
ثم قال :﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾ الخفض : معناه في اللغة نقيض الرفع، ومنه قوله تعالى في صفة القيامة :﴿خافضة رافعة﴾ [ الواقعة : ٣ ] أى أنها تخفض أهل المعاصي، وترفع أهل الطاعات، فالخفض معناه الوضع، وجناح الإنسان يده.
قال الليث : يدا الإنسان جناحاه، ومنه قوله :﴿واضمم إليك جناحك من الرهب﴾ [ القصص : ٣٢ ] وخفض الجناح كناية عن اللين والرفق والتواضع، والمقصود أنه تعالى لما نهاه عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين، ونظيره قوله تعالى :﴿أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين﴾ [ المائدة : ٥٤ ] وقال في صفة أصحاب رسول الله ﷺ :﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ [ الفتح : ٢٩ ].
﴿ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) ﴾


الصفحة التالية
Icon