وأَمّا فى الملائكة فقدّم (فيه) موافقة لما قبله، وهو قوله :﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِّيًّا﴾ فقدّم الجارّ والمجرور، على الفعل والفاعل، ولم يزد الواو على (لتبتغوا) لأَن اللام فى (لتبتغوا) هنا لام العلة، وليس يعطف على شىء قبله.
ثم إِن قوله :﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ و ﴿فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل، ولهذا وَحّد الخطاب، وهو قوله :(وترى) وقبله وبعده جمع، وهو قوله :(لتأكلوا) و (تستخرجوا) و (لتبتغوا).
وفى الملائكة :(تأكلون) و (تستخرجون)، (لتبتغوا) ومثله فى القرآن كثير، منه ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً﴾ وكذلك ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً﴾، ﴿وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ وأمثاله.
أَى لو حضرت أَيها المخاطب لرأَيته فى هذه الصفة ؛ كما تقول : أَيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، فتأَمل فإِن فيه دقيقة.
قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ وبعده :﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴾ إِنما رفع الأَول ؛ لأَنهم أَنكروا إِنزال القرآن، فعدلوا عن الجواب، فقاولا : أَساطير الأَولين.
والثانى من كلام المتقين، وهم مقِرّون بالوحى والإِنزال، فقالوا :
خيراً، أَى أَنزل خيراً، فيكون الجواب مطابقاً، و (خيرا) نَصْب بأَنزل.
وإِن شئت جعلت (خيرا) مفعول القول، أَى : قالوا خيراً ولم يقولوا شَرّا كما قالت الكفَّار.
وإِن شئت جعلت (خيرا) صفة مصدر محذوف، أَى قالوا قولا خيرا.
وقد ذكرت مسأَلة (ماذا) فى مواضعه.