نزلت هذه الآية في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الذين هاجروا إلى الحبشة بسبب أذى المشركين إليهم، وفيها دليل على أن الهجرة إذا لم تكن خالصة لوجه اللّه للتمكن من القيام بأوامره وعبادته كما ينبغي كانت كالانتقال من بلد لآخر للتجارة أو الزيارة لا مزيّة لها ولا شرف فيها ولا ثواب، يدل على هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى إلخ.
ثم وصفهم اللّه بقوله "الَّذِينَ صَبَرُوا" على ظلم المشركين وأذاهم في سبيل اللّه "وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ٤٢ في أمورهم كلها.
واعلم أن الصبر والتوكل مبدأ السلوك إلى اللّه تعالى ومنتهاه، لأن الصبر قهر النفس وحبسها على أعمال البر واحتمال الأذى من الخلق وعلى الشهوات المباحات وعلى المصائب وعن المحرمات والتوكل انقطاع عن الخلق، فبهذا المنتهى والأول المبتدأ.
مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن :
وهذه الآية الثانية التي يعرض اللّه تعالى بها لرسوله بالهجرة، والأولى ٢٠ من سورة المؤمن المارة.
قال تعالى "وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا" يا أهل مكة إن لم ترشدكم عقولكم إلى التصديق بهذا الذي قصصناه عليكم "أَهْلَ الذِّكْرِ" الذين أنزل عليهم قبلكم من اليهود والنصارى،
وقولوا لهم هل أرسل اللّه نبيا إلا رجلا فيما سبق من الأمم إلى الأمم "إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" ٤٣ أمرهم اللّه أن يسألوا أهل الكتابين لأنهم يعتقدون ذلك لعلمهم بما أنزل اللّه في كتبهم من هذا.
نزلت هذه الآية في كفار مكة القائلين اللّه أعظم وأجل أن يرسل رجلا إلى الناس ولو أراد لأرسل ملكا.


الصفحة التالية
Icon