هذا، وإذا تدبرت بدائع صنع الإله في هذا وغيره وعجائب مكوناته اضطررت للاعتراف بكمال قدرته، وتمام حكمته، وتناهي رحمته بعباده، وغاية رأفته بهم، قسرا، فسبحانه من إله عظيم أوحى إلى حبيبه "وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ" لكم عبرة عظيمة وعظة كبيرة أيها الناس "تَتَّخِذُونَ مِنْهُ" من عصير التمر والعنب ثمر النخيل والكرم "سَكَراً" مشروبا يتفكه به كما قال أبو عبيدة، وخمرا بلغة العرب، وقال ابن عباس مطعوما يتفكه به، قال الأخطل :
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم إذا مجرى فيهم المزاء والسكر
والمزاء نوع من الأشربة المسكرة.
قيل إنه نقيع التمر والزبيب إذ طبخا وذهب تلثاهما، وما لا يسكر من الأنبذة، لأن اللّه تعالى قد امتنّ على عباده في هذه الآية به، ولا يقع الامتنان منه إلا بمحلل.
وقال ابن عباس : هو الخلّ بلغة الحبشة، واستدل على جواز شرب ما دون السكر من النبيذ صاحب ذلك القيل بهذا التأويل، وعضد استدلاله بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم : قال حرم اللّه الخمر بعينها القليل منها والكثير.
والسكر بضم السين من كل شراب، أخرجه الدار قطني.
وإلى حل شرب النبيذ إلى ما دون الإسكار، وذهب إبراهيم النخعي وأبو جعفر والطحاوي وسفيان الثوري، وأجازه أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف إذا لم يسكر، أما الخمرة فقليلها وكثيرها حرام، أسكرت أو لم تسكر.
قال تعالى "وَرِزْقاً حَسَناً" كالتمر والزبيب والعنب والدبس والأشربة المتخذة منهما التي تشرب آنيّا والخل أيضا.
مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي :


الصفحة التالية
Icon