"مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ" مختارا طائعا وجب قتله في الدنيا وفي الآخرة هو خالد في جهنم "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ" على كلمة الكفر من شخص يتحقق إيقاع الضرر منه فأجرى كلمه الكفر على لسانه تقية كما تجوز موالاة الكفرة تقية على ما يأتي في الآية ٣٩ من آل عمران في ج ٣، لأن التوسل لخلاص النفس بلفظ الكفر ظاهرا "وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ" فلا وزر عليه لأنها رخصة من اللّه تعالى أعتق بها نفسه، وقد تفضل اللّه تعالى على عباده بها واللّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، فإذا قبلها وأخذ بها فلا بأس عليه، وإذا لم يقبلها ولم يأخذ بها وأبى أن يكفر وقتل من أجل إيمانه فقد أخذ بالعزيمة ولا وزر عليه بل يثاب، لأن الأفضل في مثل هذا أن يؤخذ بالعزيمة لا بالرخصة، لاحتمال عدم القتل، لأن بلالا وصهيبا وخبابا وسالما أوذوا بالضرب والحرق بالنار وألبسوا أدراع الحديد ووضعوا بحر الشمس في تلك البلاد الحارة، وقد وضعت عليهم الأحجار الحارة لإجبارهم على الكفر، فصبروا ولم يكفروا بلسانهم، ثم تركوا ولم يقتلوا وفازوا بخير الدارين، أما من أكره على شرب الخمر أو أكل لحم الميتة أو الخنزير ومما هو دون المكفرات كالربى والقمار
فليس له أن يأخذ بالعزيمة بل يجب عليه الأخذ بالرخصة، وإذا قتل ولم يأخذ بالرخصة فهو آثم، وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك.