يدل على هذا قوله جل قوله "لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ" ١١٦ بل يخيبون ويخسرون، وان متاعهم في هذه الدنيا وما هم عليه "مَتاعٌ قَلِيلٌ" لأن الدنيا مهما طال أمدها فهي قليلة، ولا تطمئن النفس الزكية إليها لتوقع المصائب والفتن والشحناء بين أهلها عداوة وبغضاء من أجل حطامها الزائل، وأشد ما يكون إذا وقع بين الأقارب، وفلما ترى المتصافين فيها للّه، قال :
والمرء يخشى من أبيه وأمه ويخونه فيها أخوه وحاره
فإذا كان أقرب وأحب الناس إلى الرجل فيها يخافهم ويخشهم فتبا لهم من دار وسحقا لها من إقامة، هذا ما يلاقونه في الدنيا، وأما في الآخرة فيقول اللّه تعالى "وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ" ١١٧ لا تطيقه قواهم "وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ" هو ما تقدم في الآية ١٤٦ من الأنعام المارة، "وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" ١١٨ بتحريم أشياء على أنفسهم لم يحرمها اللّه كلحوم الإبل وغيرها، قال تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الآية ١٦٠ من النساء في ج ٣، "ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ" كلمة جامعة لكل قبح "بِجَهالَةٍ" غير متدبرين عاقبته ولا معاندين اللّه فيه عصيانا عليه، وإنما بسبب غلبة شهوتهم الناشئة عن الجهل قال :
وما كانت ذنوبي عن عناد ولكن بالشقا حكم القضاء
"ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ" الذي عملوه من السوء وندموا وتابوا توبة نصوحا، يدل عليه قوله تعالى "وَأَصْلَحُوا" أنفسهم واستقامت أحوالهم "إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها" أي التوبة "لَغَفُورٌ" لما سبق منهم "رَحِيمٌ" ١١٩