"وَإِنَّ رَبَّكَ" يا خاتم الرسل "لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ" وبين غيرهم "يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" ١٢٤ من السبت وغيره كتحريم الإبل وحل الخنزير وقليل الخمر والزواج بالمحرمات وغير ذلك مما ابتدعوه، ولم ينزل اللّه به برهانا، قال تعالى يا سيد الرسل "ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ" من بعثت إليهم قاطبة "بِالْحِكْمَةِ" بالحجة المزيلة للشك المزيحة للشبهة بالتؤدة واللين والرفق وإيراد الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة والحجج القاطعة لتأييد دعوتك "وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" الرقيقة اللطيفة بخطاب مقنع للخصم مقرون بالعبر المؤثرة والعظة النافعة والأمثلة الظاهرة بقصد نصحهم وطلب خيرهم وإرادة ميلهم إلى كلامك وجنوحهم إلى رشدك وهديك.
وهذه طريقة ثانية لأصول الدعوة إلى اللّه لأن الحكمة المعرفة بمراتب الأفعال، والموعظة الحسنة مزج الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة والشدة باللين.
والطريقة الثانية هي المبينة بقوله جل قوله "وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" من غيرها بأن تناظر معانديهم بالطريقة الحسنة التي هي أحسن طرق المجادلة، وتبدي لهم لين العريكة وخفض الجانب والرفق بالمخاطبة، بلا غلظة ولا فظاظة ولا تعنيف، وتأتي لهم بكل ما يوقظ القلب ويجلو العقل وتنبسط له النفس وينشرح له الفؤاد، بوجه مطلق ملئه البشاشة، كي يكون إرشادك أوقع في قلوبهم، وهديك أنفع في نفوسهم، وكلامك أنفع لصلاحهم، ودلالتك أميل لقلوبهم.
واعلم أن هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها العلماء والمتصدرون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها من سمات من ورثوا عنه العلم الذي هو صفوة خلق اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ويجب أن


الصفحة التالية
Icon