وقال أبو حيان :
﴿ خَلَقَ الإنسان ﴾
ولما ذكر ما دل على وحدانيته من خلق العالم العلوي والأرض، وهو استدلال بالخارج، ذكر الاستدلال من نفس الإنسان، فذكر إنشاءه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، وكان حقه والواجب عليه أن يطيع وينقاد لأمر الله.
والخصيم من صفات المبالغة من خصم بمعنى اختصم، أو بمعنى مخاصم، كالخليط والجليس، والمبين الظاهر الخصومة أو المظهرها.
والظاهر أنّ سياق هذين الوصفين سياق ذم لما تقدم من قوله : سبحانه وتعالى عما يشركون، وقوله : أن أنذروا الآية.
ولتكرير تعالى عما يشركون، ولقوله في يس :﴿ أو لم ير الإنسان ﴾ الآية وقال :﴿ بل هم قوم خصمون ﴾ وعنى به مخاصمتهم لأنبياء الله وأوليائه بالحجج الداحضة، وأكثر ما ذكر الإنسان في القرآن في معرض الذم، أو مردفاً بالذم.
وقيل : المراد بالإنسان هنا أُبي بن خلف الجمحي.
وقال قوم : سياق الوصفين سياق المدح، لأنه تعالى قواه على منازعة الخصوم، وجعله مبين الحق من الباطل، ونقله من تلك الحالة الجمادية وهو كونه نطفة إلى الحالة العالية الشريفة وهي : حالة النطق والإبانة.
وإذ هنا للمفاجأة، وبعد خلقه من النطفة لم تقع المفاجأة بالمخاطبة إلا بعد أحوال تطور فيها، فتلك الأحوال محذوفة، وتقع المفاجأة بعدها.
وقال أبو عبد الله الرازي : اعلم أنّ أشرف الأجسام بعد الأفلاك والكواكب هو الإنسان، ثم ذكر الإنسان وأنه مركب من بدن ونفس في كلام كثير يوقف عليه في تفسيره، ولا نسلم ما ذكره من أنّ الأفلاك والكواكب أشرف من الإنسان.
ولما ذكر خلق الإنسان ذكر ما امتن به عليه في قوام معيشته، فذكر أولاً أكثرها منافع، وألزم لمن أنزل القرآن بلغتهم وذلك الأنعام، وتقدم شرح الأنعام في الأنعام.
والأظهر أن يكون لكم فيها دفء استئناف لذكر ما ينتفع بها من جهتها، ودفء مبتدأ وخبره لكم، ويتعلق فيها بما في لكم من معنى الاستقرار.