السؤال الثالث : هب أنه تعالى قضى على بعض عبيده بالسراء وعلى آخرين بالضراء ولكن كيف يمكنك أن تعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله، وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله وأحكامه في ملكه وملكوته ؟
فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون﴾ وتقرير هذا الجواب أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده ويأمر ذلك العبد بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد كلفهم بمعرفة التوحيد والعبادة وبين أنهم إن فعلوا ذلك فازوا بخيري الدنيا والآخرة، وإن تمردوا وقعوا في شر الدنيا والآخرة، فبهذا الطريق صار مخصوصاً بهذه المعارف من دون سائر الخلق، وظهر بهذا الترتيب الذي لخصناه أن هذه الآيات منتظمة على أحسن الوجوه والله أعلم.
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي :( ينزل ) بالياء وكسر الزاي وتشديدها، والملائكة بالنصب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿يُنَزّل﴾ بضم الياء وكسر الزاي وتخفيفها، والأول من التفعيل، والثاني من الأفعال، وهما لغتان :
المسألة الثانية :
روي عن عطاء عن ابن عباس قال : يريد بالملائكة جبريل وحده.
قال الواحدي : وتسمية الواحد باسم الجمع إذا كان ذلك الواحد رئيساً مقدماً جائز كقوله تعالى :﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ﴾ [ نوح : ١ ] ﴿وَإِنَا أنزلناه﴾ [ يوسف : ٢ ].
﴿وإِنَا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ [ الحجر : ٩ ] وفي حق الناس كقوله :﴿الذين قَالَ لَهُمُ الناس﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] وفيه قول آخر سيأتي شرحه بعد ذلك وقوله :﴿بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ فيه قولان :