والقول الثاني : في هذه الآية وهو قول أبي عبيدة إن الروح ههنا جبريل عليه السلام، والباء في قوله :﴿بالروح﴾ بمعنى مع كقولهم خرج فلان بثيابه، أي مع ثيابه وركب الأمير بسلاحه أي مع سلاحه، فيكون المعنى : ينزل الملائكة مع الروح وهو جبريل، والأول أقرب، وتقرير هذا الوجه : أنه سبحانه وتعالى ما أنزل على محمد ﷺ جبريل وحده، بل في أكثر الأحوال كان ينزل مع جبريل أفواجاً من الملائكة، ألا ترى أن في يوم بدر وفي كثير من الغزوات كان ينزل مع جبريل عليه السلام أقوام من الملائكة، وكان ينزل على رسول الله ﷺ تارة ملك الجبال.
وتارة ملك البحار.
وتارة رضوان.
وتارة غيرهم.
وقوله :﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ يعني أن ذلك التنزيل والنزول لا يكون إلا بأمر الله تعالى، ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ﴾ [ مريم : ٦٤ ] وقوله :﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٧ ] وقوله :﴿وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٨ ] وقوله :﴿يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [ النحل : ٥٠ ] وقوله :﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [ التحريم : ٦ ] فكل هذه الآيات دالة على أنهم لا يقدمون على عمل من الأعمال إلا بأمر الله تعالى وإذنه، وقوله :﴿على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ يريد الأنبياء الذين خصهم الله تعالى برسالته، وقوله :﴿أَنْ أَنْذِرُواْ﴾ قال الزجاج :﴿أن﴾ بدل من الروح والمعنى : ينزل الملائكة بأن أنذروا، أي أعلموا الخلائق أنه لا إله إلا أنا، والإنذار هو الإعلام مع التخويف.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon