قوله :﴿وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يدل على أنه تعالى ما شاء هداية الكفار، وما أراد منهم الإيمان، لأن كلمة ( لو ) تفيد انتفاء شيء لانتفاء شيء غيره قوله ؛ ﴿وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ﴾ معناه : لو شاء هدايتكم لهداكم، وذلك يفيد أنه تعالى ما شاء هدايتهم فلا جرم ما هداهم، وذلك يدل على المقصود.
وأجاب الأصم عنه بأن المراد لو شاء أن يلجئكم إلى الإيمان لهداكم، وهذا يدل على أن مشيئة الإلجاء لم تحصل.
وأجاب الجبائي بأن المعنى : ولو شاء لهداكم إلى الجنة وإلى نيل الثواب لكنه لا يفعل ذلك إلا بمن يستحقه، ولم يرد به الهدى إلى الإيمان، لأنه مقدور جميع المكلفين.
وأجاب بعضهم فقال المراد : ولو شاء لهداكم إلى الجنة ابتداء على سبيل التفضل، إلا أنه تعالى عرفكم للمنزلة العظيمة بما نصب من الأدلة وبين، فمن تمسك بها فاز بتلك المنازل ومن عدل عنها فاتته وصار إلى العذاب، والله أعلم.
واعلم أن هذه الكلمات قد ذكرناها مراراً وأطواراً مع الجواب فلا فائدة في الإعادة.
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) ﴾
اعلم أن أشرف أجسام العالم السفلي بعد الحيوان النبات، فلما قرر الله تعالى الاستدلال على وجود الصانع الحكيم بعجائب أحوال الحيوانات، أتبعه في هذه الآية بذكر الاستدلال على وجود الصانع الحكيم بعجائب أحوال النبات.
واعلم أن الماء المنزل من السماء هو المطر، وأما أن المطر نازل من السحاب أو من السماء فقد ذكرناه في هذا الكتاب مراراً، والحاصل : أن ماء المطر قسمان : أحدهما : هو الذي جعله الله تعالى شراباً لنا ولكل حي، وهو المراد بقوله :﴿لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ﴾ وقد بين الله تعالى في آية أخرى أن هذه النعمة جليلة فقال :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حيّ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ].


الصفحة التالية
Icon