وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُطْلِقُ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ كَلَحْمِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَإِنَّمَا يَكْرَهُهُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ الْحَاظِرَةِ وَالْمُبِيحَةِ فِيهِ، وَيَحْتَجُّ لَهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّهُ ذُو حَافِرٍ أَهْلِيٍّ فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْبَغْلِ لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ حَلَالًا لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ ؛ إذْ هُوَ كَبَعْضِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَةً أَهْلِيَّةً لَوْ وَلَدَتْ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَدُهَا، وَلَوْ وَلَدَتْ حِمَارَةٌ وَحْشِيَّةٌ مِنْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أُكِلَ وَلَدُهَا ؟ فَكَانَ الْوَلَدُ تَابِعًا لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، فَلَمَّا كَانَ لَحْمُ الْبَغْلِ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَيْلَ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾