روي أن رسول الله ﷺ لما قال جبريل في سرد الوحي :﴿ أتى أمر الله ﴾ وثب رسول الله ﷺ قائماً، فلما قال ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ سكن. وقوله ﴿ أمر الله ﴾ قال فيه جمهور المفسرين : إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار، وقيل : المراد نصر محمد عليه السلام، وقيل : المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد ﷺ لهم وظهوره عليهم، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس، وقيل : المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم، هذا هو قول الضحاك، ويضعفه قوله ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ إنا لا نعرف استعجالاً إلا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام، وقوله ﴿ أتى ﴾ على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي، وصح ذلك من جهة التأكيد، وإذا كان الخبر حقاً فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه، وقال قوم :﴿ أتى ﴾ بمعنى قرب، وهذا نحو ما قلت، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينه التأكيد ويفهم المجاز، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب، وإنما جار في الشرط لوضوح القرينة ب ﴿ أن ﴾، ومن قال : إن الأمر القيامة، قال : إن قوله ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد، ومن قال : إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد ﷺ وقتله لهم، قال إن قوله ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ رد على القائلين ﴿ عجل لنا قطنا ﴾ [ ص : ١٦ ] ونحوه من العذاب، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء، وقرأ الجمهور " فلا تستعجلوه " بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم :" فلا تستعجلوه "، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء