والجواب الثاني عن ذلك السؤال أن نقول : نحن نقيم الدلالة على أنه لا يجوز أن يكون حدوث النبات والحيوان لأجل تأثير الطباع والأفلاك والأنجم، وذلك لأن تأثير الطبائع والأفلاك والأنجم والشمس والقمر بالنسبة إلى الكل واحد، ثم نرى أنه إذا تولد العنب كان قشره على طبع وعجمه على طبع ولحمه على طبع ثالث وماؤه على طبع رابع، بل نقول : إنا نرى في الورد ما يكون أحد وجهي الورقة الواحدة منه في غاية الصفرة، والوجه الثاني من تلك الورقة في غاية الحمرة وتلك الورقة تكون في غاية الرقة واللطافة، ونعلم بالضرورة أن نسبة الأنجم والأفلاك إلى وجهي تلك الورقة الرقيقة، نسبة واحدة، والطبيعة الواحدة في المادة الواحدة لا تفعل إلا فعلاً واحداً، ألا ترى أنهم قالوا : شكل البسيط هو الكرة لأن تأثير الطبيعة الواحدة في المادة الواحدة يجب أن يكون متشابهاً، والشكل الذي يتشابه جميع جوانبه هو الكرة، وأيضاً إذا وضعنا الشمع فإذا استضاء خمسة أذرع من ذلك الشمع من أحد الجوانب، وجب أن يحصل مثل هذا الأثر في جميع الجوانب، لأن الطبيعة المؤثرة يجب أن تتشابه نسبتها إلى كل الجوانب.
إذا ثبت هذا فنقول : ظهر أن نسبة الشمس والقمر والأنجم والأفلاك والطبائع إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة الرقيقة نسبة واحدة، وثبت أن الطبيعة المؤثرة متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابهاً وثبت أن الأثر غير متشابه، لأن أحد جانبي تلك الورقة في غاية الصفرة، والوجه الثاني في غاية الحمرة فهذا يفيد القطع بأن المؤثر في حصول هذه الصفات والألوان والأحوال ليس هو الطبيعة، بل المؤثر فيها هو الفاعل المختار الحكيم، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو المراد من قوله :﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الأرض مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾.