وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ ﴾
لما ذكر الدليل على توحيده ذكر بعده الإنسان ومناكدته وتعدّي طوره.
"والإنسان" اسم للجنس.
وروي أن المراد به أُبَيّ بن خلف الجُمَحيّ، جاء إلى النبيّ ﷺ بعظم رَميم فقال : أترى يحيي الله هذا بعد ما قد رَمّ.
وفي هذا أيضاً نزل ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ ﴾ [ ياس : ٧٧ ] أي خلق الإنسان من ماء يخرج من بين الصلب والترائب، فنقله أطواراً إلى أن ولد ونشأ بحيث يخاصِم في الأمور.
فمعنى الكلام التعجيب من الإنسان ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾ [ ياس : ٧٨ ] وقوله :﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ ﴾ أي مخاصِم، كالنسيب بمعنى المناسب.
أي يخاصم اللَّهَ عز وجل في قدرته.
و﴿ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهر الخصومة.
وقيل : يبيّن عن نفسه الخصومة بالباطل.
والمبين : هو المفصح عما في ضميره بمنطقه.
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾ لما ذكر الإنسان ذكر ما مَنّ به عليه.
والأنعام : الإبل والبقر والغنم.
وأكثر ما يقال : نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة.
قال حسان :
عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجِوَاءُ...
إلى عَذْراءَ منزِلُها خَلاء
دِيارٌ من بَنِي الحَسْحَاس قَفْرٌ...
تُعَفِّيها الروامِسُ والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس...
خِلال مُرُوجها نَعَمٌ وشَاءُ
فالنَّعم هنا الإبل خاصّةً.
وقال الجوهري : والنَّعَم واحد الأنعام وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.
قال الفَرّاء : هو ذكَر لا يؤنث، يقولون : هذا نَعَم وارد، ويجمع على نُعْمان مثل حَمَل وحُمْلان.