﴿ والذين يَدْعُونَ ﴾ شروع في تحقيق كونِ الأصنام بمعزل من استحقاق العبادةِ وتوضيحُه بحيث لا يبقى فيه شائبةُ ريب بتعديد أوصافِها وأحوالِها المنافية لذلك منافاةً ظاهرةً، وتلك الأحوالُ وإن كانت غنيةً عن البيان لكنها شُرحت للتنبيه على كمال حماقةِ عبدَتِها وأنهم لا يعرفون ذلك إلا بالتصريح، أي والآلهةُ الذين يعبدهم الكفار ﴿ مِن دُونِ الله ﴾ سبحانه، وقرىء على صيغة المبني للمفعول وعلى الخطاب ﴿ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا ﴾ من الأشياء أصلاً أي ليس من شأنهم ذلك، ولما لم يكن بين نفي الخالقية وبين المخلوقية تلازمٌ بحسب المفهومِ وإن تلازما في الصدق أُثبت لهم ذلك صريحاً فقيل :﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ أي شأنُهم ومقتضى ذاتِهم المخلوقيةُ لأنها ذواتٌ ممكنةٌ مفتقرةٌ في ماهياتها ووجوداتها إلى الموجد، وبناء الفعل للمفعول لتحقيق التضادّ والمقابلة بين ما أثبت لهم وبين ما نُفي عنهم من وصفي المخلوقية والخالقية، وللإيذان بعدم الافتقار إلى بيان الفاعلِ لظهور اختصاصِ الفعل بفاعله جل جلاله، ويجوز أن يُجعل الخلقُ الثاني عبارةً عن النحت والتصوير رعايةً للمشاكلة بينه وبين الأول ومبالغةً في كونهم مصنوعين لعبدتهم وأعجز عنهم وإيذاناً بكمال ركاكةِ عقولهم حيث أشركوا بخالقهم مخلوقَهم، وأما جعلُ الأول أيضاً عبارةً عن ذلك كما فعل فلا وجه له، إذ القدرةُ على مثل ذلك الخلقِ ليست مما يدور عليه استحقاقُ العبادة أصلاً، ولِما أن إثباتَ المخلوقية لهم غيرُ مستدعٍ لنفي الحياة عنهم لِما أن بعض المخلوقين أحياءٌ صرح بذلك فقيل :﴿ أَمْوَاتٌ ﴾ وهو خبرٌ ثان للموصول لا للضمير كما قيل، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ.


الصفحة التالية
Icon