فصل


قال الفخر :
﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾
اعلم أنه تعالى لما احتج على إثبات الإله في المرتبة الأولى بأجرام السموات، وفي المرتبة الثانية ببدن الإنسان ونفسه، وفي المرتبة الثالثة بعجائب خلقة الحيوانات، وفي المرتبة الرابعة بعجائب طبائع النبات ذكر في المرتبة الخامسة الاستدلال على وجود الصانع بعجائب أحوال العناصر فبدأ منها بالاستدلال بعنصر الماء.
واعلم أن علماء الهيئة قالوا : ثلاثة أرباع كرة الأرض غائصة في الماء وذاك هو البحر المحيط وهو كلية عنصر الماء وحصل في هذا الربع المسكون سبعة من البحار كما قال بعده :﴿والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ [ لقمان : ٢٧ ] والبحر الذي سخره الله تعالى للناس هو هذه البحار، ومعنى تسخير الله تعالى إياها للخلق جعلها بحيث يتمكن الناس من الانتفاع بها إما بالركوب أو بالغوص.
واعلم أن منافع البحار كثيرة والله تعالى ذكر منها في هذه الآية ثلاثة أنواع :
المنفعة الأولى : قوله تعالى :﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال ابن الأعرابي لحم طري غير مهموز، وقد طرو يطرو طراوة، وقال الفراء : طرا يطرا طراء ممدوداً وطراوة كما يقال شقى يشقى شقاء وشقاوة.
واعلم أن في ذكر الطري مزيد فائدة، وذلك لأنه لو كان السمك كله مالحاً، لما عرف به من قدرة الله تعالى ما يعرف بالطري فإنه لما خرج من البحر الملح الزعاق الحيوان الذي لحمه في غاية العذوبة علم أنه إنما حدث لا بحسب الطبيعة، بل بقدرة الله وحكمته حيث أظهر الضد من الضد.
المسألة الثانية :
قال أبو حنيفة رحمه الله : لو حلف لا يأكل اللحم فأكل لحم السمك لا يحنث قالوا : لأن لحم السمك ليس بلحم، وقال آخرون : إنه يحنث لأنه تعالى نص على كونه لحماً في هذه الآية وليس فوق بيان الله بيان.


الصفحة التالية
Icon