والجواب : أنا رأيناكم في كتاب الأيمان تارة تعتبرون اللفظ وتارة تعتبرون العرف، وما رأيناكم ذكرتم ضابطاً بين القسمين والدليل عليه أنه إذا قال لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحماً فجاء بلحم العصفور كان حقيقاً بالإنكار عليه، مع أنكم تقولون إنه يحنث بأكل لحم العصفور، فثبت أن العرف مضطرب، والرجوع إلى نص القرآن متعين، والله أعلم.
المنفعة الثانية : من منافع البحر قوله تعالى :﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ والمراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى :﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] والمراد : بلبسهم لبس نسائهم لأنهن من جملتهم، ولأن إقدامهن على التزين بها إنما يكون من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم، ورأيت بعض أصحابنا تمسكوا في مسألة أنه لا يجب الزكاة في الحلي المباح بحديث عروة عن النبي ﷺ أنه قال :" لا زكاة في الحلي " فقلت هذا الحديث ضعيف الرواية وبتقدير الصحة فيمكن أن يقال فيه لفظ الحلي لفظ مفرد محلى بالألف واللام، وقد بينا في أصول الفقه أن هذا اللفظ يجب حمله على المعهود السابق، والحلي الذي هو المعهود السابق هو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في هذه الآية وهو قوله :﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ فصار بتقدير صحة ذلك الخبر لا زكاة في اللآلىء، وحينئذ يسقط الاستدلال به، والله أعلم.
المنفعة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ قال أهل اللغة : مخر السفينة شقها الماء بصدرها، وعن الفراء : أنه صوت جري الفلك بالرياح.
إذا عرفت هذا فقول ابن عباس :﴿مَوَاخِرَ﴾ أي جواري، إنما حسن التفسير به، لأنها لا تشق الماء إلا إذا كانت جارية.