والقول الثاني : أنه تم الكلام عند قوله :﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ﴾ ثم عاد الكلام إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة، والمعنى : أنهم يوم القيامة ألقوا السلم وقالوا ما كنا نعمل في الدنيا من سوء، ثم ههنا اختلفوا، فالذين جوزوا الكذب على أهل القيامة، قالوا : هذا القول منهم على سبيل الكذب وإنما أقدموا على هذا الكذب لغاية الخوف، والذين قالوا إن الكذب لا يجوز عليهم قالوا : معنى الآية، ما كنا نعمل من سوء عند أنفسنا أو في اعتقادنا، وأما بيان أن الكذب على أهل القيامة هل يجوز أم لا ؟ فقد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى :
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : ما كنا نعمل من سوء قال بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون، ولا يبعد أن يكون قائل هذا القول هو الله تعالى أو بعض الملائكة رداً عليهم وتكذيباً لهم، ومعنى بلى الرد لقولهم :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء﴾ وقوله :﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني أنه عالم بما كنتم عليه في الدنيا فلا ينفعكم هذا الكذب فإنه يجازيكم على الكفر الذي علمه منكم.
ثم صرح بذكر العقاب فقال :
﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) ﴾
وهذا يدل على تفاوت منازلهم في العقاب، فيكون عقاب بعضم أعظم من عقاب بعض، وإنما صرح تعالى بذكر الخلود ليكون الغم والحزن أعظم.
ثم قال :﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ على قبول التوحيد وسائر ما أتت به الأنبياء، وتفسير التكبر قد مر في هذا الكتاب غير مرة، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٠ صـ ١٧ ـ ١٩﴾