قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في ستة من الصحابة صهيب وبلال وعمار وخباب وعابس وجبير موليين لقريش فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام، أما صهيب فقال لهم : أنا رجل كبير إن كنت لكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله فلما رآه أبو بكر قال : ربح البيع يا صهيب، وقال عمر : نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وهو ثناء عظيم يريد لو لم يخلق الله النار لأطاعه فكيف ظنك به وقد خلقها ؟ وأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر والرجوع عن الإسلام فتركوا عذابهم، ثم هاجروا فنزلت هذه الآية، وبين الله تعالى بهذه الآية عظم محل الهجرة، ومحل المهاجرين فالوجه فيه ظاهر، لأن بسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام، كما أن بنصرة الأنصار قويت شوكتهم، ودل تعالى بقوله :﴿والذين هاجروا فِى الله﴾ أن الهجرة إذا لم تكن لله لم يكن لها موقع، وكانت بمنزلة الانتقال من بلد إلى بلد، وقوله :﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾ معناه أنهم كانوا مظلومين في أيدي الكفار، لأنهم كانوا يعذبونهم.
ثم قال :﴿لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى الدنيا حَسَنَة﴾ وفيه وجوه : الأول : أن قوله :﴿حَسَنَةٌ﴾ صفة للمصدر من قوله :﴿لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى الدنيا﴾ والتقدير : لنبوئنهم تبوئة حسنة، وفي قراءة علي عليه السلام :( لنبوئنهم إبواءة حسنة ).
الثاني : لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب، وعن عمر أنه كان إذا أعطى رجلاً من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أكبر.
والقول الثالث : لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم، وهذا قول الحسن والشعبي وقتادة، والتقدير : لنبوئنهم في الدنيا داراً حسنة أو بلدة حسنة يعني المدينة.


الصفحة التالية