وقال القرطبى :
﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) ﴾
أعلمهم سهولة الخلق عليه، أي إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائهم، ولا في غير ذلك مما نحدثه ؛ لأنا إنما نقول له كن فيكون.
قراءة ابن عامر والكسائيّ "فيكونَ" نصباً عطفاً على أن نقول.
وقال الزجاج : يجوز أن يكون نصباً على جواب "كن".
الباقون بالرفع على معنى فهو يكون.
وقد مضى القول فيه في "البقرة" مستوفىً.
وقال ابن الأنباريّ : أوقع لفظ الشيء على المعلوم عند الله قبل الخلق لأنه بمنزلة ما وجد وشوهد.
وفي الآية دليل على أن القرآن غير مخلوق ؛ لأنه لو كان قوله :"كن" مخلوقاً لاحتاج إلى قول ثان، والثاني إلى ثالث وتسلسل وكان محالاً.
وفيها دليل على أن الله سبحانه مريد لجميع الحوادث كلها خيرها وشرها نفعها وضرها ؛ والدليل على ذلك أن من يرى في سلطانه ما يكرهه ولا يريده فلأحد شيئين : إما لكونه جاهلاً لايدري، وإما لكونه مغلوباً لا يطيق، ولا يجوز ذلك في وصفه سبحانه، وقد قام الدليل على أنه خالق لاكتساب العباد، ويستحيل أن يكون فاعلاً لشيء وهو غير مريد له ؛ لأن أكثر أفعالنا يحصل على خلاف مقصودنا وإرادتنا، فلو لم يكن الحق سبحانه مريداً لها لكانت تلك الأفعال تحصل من غير قصد ؛ وهذا قول الطبيعيين، وقد أجمع الموّحدون على خلافه وفساده.
قوله تعالى :﴿ والذين هَاجَرُواْ فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾
قد تقدّم في "النِّساء" معنى الهجرة، وهي ترك الأوطان والأهل والقرابة في الله أو في دين الله، وترك السيئات.
وقيل :"في" بمعنى اللام، أي لله.
﴿ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ أي عُذّبوا في الله.
نزلت في صُهَيب وبلال وخبّاب وعمّار، عذبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا، فلما خلّوهم هاجروا إلى المدينة ؛ قاله الكَلْبِيّ.
وقيل : نزلت في أبي جَنْدل بن سهيل.