وقال أبو حيان :
﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾
تقدم إعراب ماذا، إلا أنه إذا كانت ذا موصولة لم يكن الجواب على وفق السؤال، لكون ماذا مبتدأ وخبر، أو الجواب نصب وهو جائز، ولكن المطابقة في الإعراب أحسن.
وقرأ الجمهور : خيراً بالنصب أي : أنزل خيراً.
قال الزمخشري :( فإن قلت ) : لم نصب هذا، ورفع الأول؟ ( قلت ) : فصلاً بين جواب المقر وجواب الجاحد، يعني : أنّ هؤلاء لما سئلوا : لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال مكشوفاً مفعولاً للإنزال فقالوا : خيراً، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين، وليس من الإنزال في شيء انتهى.
وقرأ زيد بن علي : خير بالرفع أي : المنزل فتطابق هذه القراءة تأويل من جعل إذا موصولة، ولا تطابق من جعل ماذا منصوبة، لاختلافهما في الإعراب، وإن كان الاختلاف جائزاً كما ذكرنا.
وروي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام المواسم من يأتيهم بخبر النبي ( ﷺ )، فإذا جاء الوفد كفه المقتسمون وأمره بالانصراف وقالوا : إنْ لم تلقه كان خيراً لك فيقول : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد ( ﷺ ) وأراه، فيلقى أصحاب رسول الله ( ﷺ ) فيخبرونه بصدقه، وأنه نبي مبعوث، فهم الذين قالوا خيراً.
والظاهر أن قوله : للذين، مندرج تحت القول، وهو تفسير للخير الذي أنزله الله في الوحي : أنّ من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة.
وقال الزمخشري : للذين أحسنوا وما بعده بدل من خير، حكاية لقول الذين اتقوا أي : قالوا هذا القول، فقدم عليه تسميته خيراً ثم خكاه انتهى.
وقالت فرقة : هو ابتداء كلام من الله تعالى، مقطوع مما قبله، وهو بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم.