ولما كانت هذه الدار سريعة الزوال، أخبر عن حالهم في الآخرة فقال :﴿ولدار الآخرة خير﴾ أي جزاء ومصيراً ؛ ثم مدحها ومدحهم بقوله تعالى :﴿ولنعم دار المتقين﴾ أي هي، مرغباً في الوصف الذي كان سبب حيازتهم لها، وهو الخوف المنافي لما وصف به الأشرار من الاستكبار، بإظهاره موضع الإضمار وحذف المخصوص بالمدح لتقدم ما يدل عليه، وهو صالح لتقدير الدنيا - أي لمن عمل فيها بالتقوى - ولتقدير الآخرة، وهو واضح.
ولما كان هذا المدح مشوفاً لتفصيل ذلك قيل :﴿جنّات عدن﴾ أي إقامة لا ظعن فيها ﴿يدخلونها﴾ حال كونها ﴿تجري من تحتها﴾ أي من تحت غرفها ﴿الأنهار﴾ ثم أجيب من كأنه سأل عما فيها من الثمار وغيرها بقوله تعالى :﴿لهم فيها﴾ أي خاصة، لا في شيء سواها من غير أن يجلب إليهم من غيرها ﴿ما يشاؤون﴾ ثم زاد في الترغيب بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الجزاء العظيم ﴿يجزي الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿المتقين﴾ أي الراسخين في صفة التقوى، ثم حث على ملازمة التقوى بالتنبيه على أن العبرة بحال الموت، فقال تعالى :﴿الذين تتوفّاهم﴾ أي تقبض أرواحهم وافية من نقص شيء من الروح أو المعاني - بما أشار إليه إثبات التاءين والإظهار ﴿الملائكة طيبين﴾ أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر متحلين بحلية الإيمان، فكأنه قيل : ماذا تقول لهم الملائكة؟ فقيل :﴿يقولون﴾ أي مكررين للتأكيد تسكيناً لما جبلوا عليه من تعظيم جلال الله بالتقوى ﴿سلام عليكم﴾ ويقال لهم لتحقق فوزهم ﴿ادخلوا الجنة﴾ أي دار التفكه التي لا مثل لها ﴿بما كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿تعملون﴾ ترغيباً لهم في الأعمال التي لا يستطيعونها إلا برحمة الله لهم بتوفيقهم لها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٢٦٣ ـ ٢٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon