﴿ بالبينات والزبر ﴾ بالمعجزات والكتبِ، والباءُ متعلقةٌ بمقدر وقع جواباً عن سؤال من قال : بمَ أُرسلوا؟ فقيل : أرسلوا بالبينات والزبر، أو بما أرسلنا داخلاً تحت الاستثناء مع رجالاً عند من يجوّزه، أي ما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات كقولك : ما ضربت إلا زيداً بالسوط، أو على نية التقديمِ قبل أداة الاستثناءِ أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً عند من يجوّز تأخرَ صلةِ ما قبل إلا إلى ما بعده، أو ما وقع صفةً للمستثنى أي إلا رجالاً ملتبسين بالبينات أو بنوحي على المفعولية أو الحالية من القائم مقامَ فاعل يوحى وهو إليهم على أن قوله تعالى :﴿ فاسألوا ﴾ اعتراضٌ أو بقوله ﴿ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ على أن الشرطَ للتبكيت كقول الأجير : إن كنت عمِلْتُ لك فأعطِني حقي.
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر ﴾ أي القرآنَ، وإنما سُمّي به لأنه تذكيرٌ وتنبيهٌ للغافلين ﴿ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ ﴾ كافةً ويدخل فيهم أهلُ مكة دخولاً أولياً ﴿ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ في ذلك الذكرِ من الأحكام والشرائعِ وغير ذلك من أحوال القرونِ المهلَكة بأفانين العذابِ حسب أعمالِهم الموجبةِ لذلك على وجه التفصيلِ بياناً شافياً، كما ينبىء عنه صيغةُ التفعيل في الفعلين لا سيما بعد ورودِ الثاني أو لا على صيغة الإفعالِ، ولِما أن التبيينَ أعمُّ من التصريح بالمقصود ومن الإرشاد إلى ما يدل عليه دخل تحته القياسُ على الإطلاق سواءٌ كان في الأحكام الشرعية أو غيرِها، ولعل قوله عز وجل :﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ إشارةٌ إلى ذلك أي إرادةَ أن يتأملوا فيتنبّهوا للحقائق وما فيه من العبر، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٥ صـ ﴾