﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ أي : على ما أوذوا في سبيل الله :﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي : فلا يخشون أحداً غيره. والوصفان المذكوران : الصبر والتوكل، من أمهات الصفات التي يجب على الداعي إلى الحق، والمدافع عنه، أن يكونا خلقاً له ؛ إذ لا ظفر بغاية إلا بهما. ولما عجبوا من إيحاء الله لرسوله، واصطفائه برسالته ؛ قيل في درء شبهتهم.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني أهل الكتاب أو علماء الأحبار ؛ ليعلموكم أنه لم يرسل للدعوة العامة ملك من أهل السماء. فالذكر : إما بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر والعظة، كقوله :﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ﴾ [ يس : ٦٩ ]، أو بمعنى الحفظ لأخبار الأمم السالفة. وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى العلماء فيما لا يعلم. واستدل بها بعضهم على جواز التقليد في الفروع للعاميِّ. وفي ذلك بحث طويل في " إيقاظ الهمم " لِلْفُلاَّنِي، فارجع إليه إن شئت. وأشار إلى طرف منه في " فتح البيان ".
وقوله تعالى :﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ أي : بالآيات المبرهنة على صدقهم والكتب المرشدة إلى مصالح الخلق. والجار متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله، أي : أرسلناهم. أو بـ ( ما أرسلنا ). أو بـ ( نوحي ) أو بـ ( لا تعلمون )، على أن الشرط للتبكيت والإلزام :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ﴾ أي : القرآن المذكِّر والموقظ من سنة الغفلة :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ أي : مما أمروا ونهوا ووعدوا وأوعدوا :﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي : ينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة في الدارين. أو يتأملون ما فيه من العبر فيحترزون عما أصاب الأولين. ولذا تأثره بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :