﴿ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ النحل : ١ ] بإثبات وجود الغير، ثم فصل ما شاهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع لا يحتجب بالوحدة عن الكثرة ولا بالعكس فقال :﴿ يُنَزّلُ الملائكة بالروح ﴾ وهو العلم الذي تحيا به القلوب ﴿ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ وهم المخلصون له ﴿ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون ﴾ [ النحل : ٢ ] وقال بعضهم : أي خوفوا الخلق من الخواطر الرديئة الممزوجة بالنظر إلى غيري وخوفهم من عظيم جلالي، وهذا وحي تبليغ وهو مخصوص بالمرسلين عليهم السلام، وذكروا أن الوحي إذا لم يكن كذلك غير مخصوص بهم بل يكون للأولياء أيضاً ﴿ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَن لا تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ [ فصلت : ٣٠ ] وقد روى عن بعض أئمة أهل البيت أن الملائكة تزاحمهم في مجالسهم، ثم إنه تعالى عدد الصفات وفصل النعم فقال :﴿ خُلِقَ السموات والأرض بالحق ﴾ [ النحل : ٣ ] الخ، وفي قوله سبحانه :﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾ [ النحل : ٧ ] الخ إشارة كما نقل عن الجنيد قدس سره إلى أنه ينبغي لمن أراد البلوغ إلى مقصده أن يكون أول أمره وقصده الجهد والاجتهاد ليوصله بركة إلى مقصوده، وذكروا أن المحمولين من العباد إلى المقاصد أصناف وكذا المحمول عليه، فمحمول بنور الفعل، ومحمول بنور الصفة، ومحمول بنور الذات، فالمحمول بنور الفعل يكون بلده مقام الخوف والرجاء ومحلته صدق اليقين وداره مربع الشهود، والمحمول بنور الصفة يكون بلده مقام المعرفة ومحلته صفو الخلة وداره دار المودة، والمحمول بنور الذات يكون بلده التوحيد ومحلته الفناء وداره البقاء، وهذه الأصناف للسالك، وأما المجذوب فمحمول على مطية الفضل إلى بلد المشاهدة، وفي قوله سبحانه :﴿ وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ النحل : ٨ ] تحيير للإفهام وعجيز أي تعجيز عن أن


الصفحة التالية
Icon