فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات﴾
المكر في اللغة عبارة عن السعي بالفساد على سبيل الإخفاء، ولا بد ههنا من إضمار، والتقدير : المكرات السيئات، والمراد أهل مكة ومن حول المدينة.
قال الكلبي : المراد بهذا المكر اشتغالهم بعبادة غير الله تعالى، والأقرب أن المراد سعيهم في إيذاء الرسول ﷺ وأصحابه على سبيل الخفية، ثم إنه تعالى ذكر في تهديدهم أموراً أربعة : الأول : أن يخسف الله بهم الأرض كما خسف بقارون.
الثاني : أن يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، والمراد أن يأتيهم العذاب من السماء من حيث يفجؤهم فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط.
والثالث : أن يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين، وفي تفسير هذا التقلب وجوه : الأول : أنه يأخذهم بالعقوبة في أسفارهم، فإنه تعالى قادر على إهلاكهم في السفر كما أنه قادر على إهلاكهم في الحضر وهم لا يعجزون الله بسبب ضربهم في البلاد البعيدة بل يدركهم الله حيث كانوا، وحمل لفظ التقلب على هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى :﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِى البلاد﴾ [ آل عمران : ١٩٦ ].
وثانيهما : تفسير هذا اللفظ بأنه يأخذهم بالليل والنهار في أحوال إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم وحقيقته في حال تصرفهم في الأمور التي يتصرف فيها أمثالهم.
وثالثها : أن يكون المعنى أو يأخذهم في حال ما ينقلبون في قضايا أفكارهم فيحول الله بينهم وبين إتمام تلك الحيل قسراً كما قال :﴿وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ فاستبقوا الصراط فأنى يُبْصِرُونَ﴾ [ يس : ٦٦ ] وحمل لفظ التقلب على هذا المعنى مأخوذ من قوله :﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور﴾ [ التوبة : ٤٨ ] فإنهم إذا قلبوها فقد تقلبوا فيها.