واعلم أنا إذا قلنا بالقول الأول افتقرنا فيه إلى الإضمار، وذلك يحتمل وجوهاً : أحدها : ويجعلون لما لا يعلمون له حقاً، ولا يعلمون في طاعته نفعاً ولا في الإعراض عنه ضرراً، قال مجاهد : يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه ينفعهم ويضرهم نصيباً.
وثانيها : ويجعلون لما لا يعلمون إلهيتها.
وثالثها : ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها معبودة.
ورابعها : المراد استحقار الأصنام حتى كأنها لقلتها لا تعلم.
المسألة الرابعة :
في تفسير ذلك النصيب احتمالات : الأول : المراد منه أنهم جعلوا لله نصيباً من الحرث والأنعام يتقربون إلى الله تعالى به، ونصيباً إلى الأصنام يتقربون به إليها، وقد شرحنا ذلك في آخر سورة الأنعام.
والثاني : أن المراد من هذا النصيب، البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وهو قول الحسن.
والثالث : ربما اعتقدوا في بعض الأشياء أنه إنما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام، كما أن المنجمين يوزعون موجودات هذا العالم علىلكواكب السبعة، فيقولون لزحل كذا من المعادن والنبات والحيوانات، وللمشتري أشياء أخرى فكذا ههنا.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين هذا المذهب قال :﴿تالله لتسألن﴾ وهذا في هؤلاء الأقوم خاصة بمنزلة قوله :
﴿فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون﴾ [ الحجر : ٩٢، ٩٣ ] وعلى التقديرين فأقسم الله تعالى بنفسه أنه يسألهم، وهذا تهديد منه شديد، لأن المراد أنه يسألهم سؤال توبيخ وتهديد، وفي وقت هذا السؤال احتمالان : الأول : أنه يقع ذلك السؤال عند القرب من الموت ومعاينة ملائكة العذاب، وقيل عند عذاب القبر.
والثاني : أنه يقع ذلك في الآخرة، وهذا أولى لأنه تعالى قد أخبر بما يجري هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة فهو إلى الوعيد أقرب.


الصفحة التالية
Icon