" ما كان في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما كان في الإسلام يهدمه الاستغفار " واعلم أنهم كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها ومنهم من يذبحها، وهم كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية، وتارة خوفاً من الفقر والفاقة ولزوم النفقة، ثم إنه قال :﴿ألا ساء ما يحكمون﴾ وذلك لأنهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات، فأولها : أنه يسود وجهه.
وثانيها : أنه يختفي عن القوم من شدة نفرته عن البنت، وثالثها : أن الولد محبوب بحسب الطبيعة، ثم إنه بسبب شدة نفرته عنها يقدم على قتلها، وذلك يدل على أن النفرة عن البنت والاستنكاف عنها قد بلغ مبلغاً لا يزداد عليه.
إذا ثبت هذا فالشيء الذي بلغ الاستنكاف منه إلى هذا الحد العظيم كيف يليق بالعاقل أن ينسبه لإله العالم المقدس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات ؟ ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى﴾ [ النجم : ٢١، ٢٢ ].
المسألة الثانية :
قال القاضي : هذه الآية تدل على بطلان الجبر، لأنهم يضيفون إلى الله تعالى من الظلم والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه والتباعد عنه، فحكمهم في ذلك مشابه لحكم هؤلاء المشركين، ثم قال : بل أعظم، لأن إضافة البنات إليه إضافة قبح واحد، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon