وذكر أبو البقاء ستةَ أوجهٍ، تقدَّم منها في غضون ما ذكرْتُه خمسةٌ. والسادس : أنه يعود على الفحل ؛ لأن اللبن يكون مِنْ طَرْقِ الفحلِ الناقةَ، فأصلُ اللبنِ [ ماءُ ] الفحلِ قال :" وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ اللبن وإن نُسِب إلى الفحلِ فقد جَمَعَ البطون، وليس فحلُ الأنعام واحداً ولا للواحد بطونٌ. فإن قال : أراد الجنسَ فقد ذُكِر ". يعني أنه قد تقدَّم أن التذكيرَ باعتبارِ جنسِ الأنعام فلا حاجة إلى تقدير عَوْدِه على " فَحْل " المرادِ به الجنسُ. قلت : وهذا القولُ نقله مكي عن إسماعيل القاضي ولم يُعْقِبْه بنكير.
قوله :﴿ مِن بَيْنِ فَرْثٍ ﴾ يجوز فيه أوجهٌ، أحدها : أنه متعلقٌ بالسَّقْي، على أنها لابتداءِ الغاية، فإن جَعَلْنا ما قبلها كذلك تَعَيَّن أن يكونَ مجرورُها بدلاً مِنْ مجرور " مِنْ " الأولى ؛ لئلا يتعلَّقَ عاملان متحدان لفظاً ومعنىً بعاملٍ واحد وهو ممتنعٌ. وهو مِنْ بدلِ الاشتمالِ ؛ لأن المكانَ مشتمِلٌ على ما حَلَّ فيه. وإن جعلْتَها للتبعيض هان الأمرُ.
الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ " لَبَناً " ؛ إذْ لو تأخَّرَتْ لكانَتْ مع مجرورِها نعتاً له. قال الزمخشري :" وإنما تقدَّم لأنه موضعُ العِبْرة، فهو قَمِنٌ بالتقديم ".
الثالث : أنَّها مع مجرورِها حالٌ من الموصولِ قبلها.
والفَرْث : فُضالةُ ما يَبْقى مِنَ العَلَفِ في الكِرْش، وكثيفُ ما يبقى من الأكل في المَعِيّ. ويقال : فَرَثَ كّبِدَه، أي : فتَّتها، وأَفْرث فلانٌ فلاناً : أوقعه في بَليَّةٍ تجري مجرى الفَرْث.
قوله :" لَبَنا " هو المفعولُ الثاني لنُسْقي. وقرئ " سَيِّغاً " بتشديد الياء بزِنة " سَيِّد "، وتصريفُه كتصريفِه. وخَفَّفه عيسى بن عمر نحو : مَيْت وهَيْن. ولا يجوز أن يكون فَعْلاً ؛ إذ كان يجب أن يكونَ " سَوْغاً " كقَوْل.
قوله تعالى :﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل ﴾ :


الصفحة التالية
Icon