ولما أذن لها في ذلك كله، وكان من المعلوم عادة أن تعاطيه لا يكون إلا بمشقة عظيمة في معاناة السير إليه، نبه على خرقه للعادة في تيسيره لها فقال تعالى :﴿فاسلكي﴾ أي فتسبب عن الإذن في الأكل الإذن في السير إليه ﴿سبل ربك﴾ أي المحسن إليك بهذه التربية العظيمة لأجل الأكل ذاهبة إليه وراجعة إلى بيوتك حال كون السبل ﴿ذللاً﴾ أي موطأة للسلوك مسهلة كما قال تعالى ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً﴾ [ الملك : ١٥ ] وأشار باسم الرب إلى أنه لولا عظيم إحسانه في تربيتها لما اهتدت إلى ذلك ؛ ثم أتبعه نتيجة ذلك جواباً لمن كأنه قال : ماذا يكون عن هذا كله؟ فقال تعالى :- ﴿يخرج من بطونها﴾ - بلفت الكلام لعدم قصدها إلى هذه النتيجة ﴿شراب﴾ أيّ شراب! وهو العسل لأنه مع كونه من أجلّ المآكل هو " مما يشرب " ﴿مختلف ألوانه﴾ من أبيض وأحمر وأصفر وغير ذلك، اختلافاً دالاً على أن فاعله مع تمام قدرته مختار، ثم أوضح ذلك بقوله تعالى :﴿فيه﴾ أي مع كونه من الثمار النافعة والضارة ﴿شفاء للناس﴾ قال الإمام الرازي في اللوامع : إذ المعجونات كلها بالعسل، وقال إمام الأولياء محمد بن علي الترمذي : إنما كان ذلك لأنها ذلت لله مطيعة وأكلت من كل الثمرات : حلوها ومرها محبوبها ومكروهها، تاركة لشهواتها، فلما ذلت لأمر الله، صار هذا الأكل لله، فصار ذلك شفاء للأسقام، فكذلك إذا ذل العبد لله مطيعاً، وترك هواه، صار كلامه شفاء للقلوب السقيمة - انتهى.