والرابع : أنها إذا نفرت من وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطنبور والملاهي وآلات الموسيقى، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها، وهذا أيضاً حالة عجيبة، فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة، وكان حصول هذه الأنواع من الكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام وهي حالة شبيهة بالوحي، لا جرم قال تعالى في حقها :﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ﴾.
واعلم أن الوحي قد ورد في حق الأنبياء لقوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً﴾ [ الشورى : ٥١ ] وفي حق الأولياء أيضاً قال تعالى :﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين﴾ [ المائدة : ١١١ ] وبمعنى الإلهام في حق البشر قال تعالى :﴿وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى﴾ [ القصص : ٧ ] وفي حق سائر الحيوانات كما في قوله :﴿وأوحى رَبُّكَ إلى النحل﴾ ولكل واحد من هذه الأقسام معنى خاص، والله أعلم.
المسألة الثانية :
قال الزجاج : يجوز أن يقال سمي هذا الحيوان نحلاً، لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها، وقال غيره النحل يذكر ويؤنث، وهي مؤنثة في لغة الحجاز، ولذلك أنثها الله تعالى، وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء.
ثم قال تعالى :﴿أَنِ اتخذى مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال صاحب "الكشاف" :﴿أَنِ اتخذى﴾ هي "أن" المفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول، وقرىء :﴿بُيُوتًا﴾ بكسر الباء ﴿وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ أي يبنون ويسقفون، وفيه لغتان قرىء بهما، ضم الراء وكسرها مثل يعكفون ويعكفون.
واعلم أن النحل نوعان :
النوع الأول : ما يسكن في الجبال والغياض ولا يتعهدها أحد من الناس.


الصفحة التالية
Icon