قال الطبائعيون : إن بدن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني والدم جوهران حاران رطبان، والحرارة إذا عملت في الجسم الرطب قللت رطوبته وأفادته نوع يبس، وهذا مشاهد معلوم، قالوا : فلا يزال ما في هذين الجوهرين من قوة الحرارة يقلل ما فيه من الرطوبة حتى تتصلب الأعضاء ويظهر فيه الانعقاد، ويحدث العظم والغضروف والعصب والوتر والرباط وسائر الأعضاء فإذا تم تكون البدن وكمل فعند ذلك ينفصل الجنين من رحم الأم ومع ذلك فالرطوبات زائدة، والدليل عليه أنك ترى أعضاء الطفل بعد انفصاله من الأم لينة لطيفة وعظامه لينة قريبة الطبع من الغضاريف، ثم إن ما في البدن من الحرارة يعمل في تلك الرطوبات ويقللها، قالوا : ويحصل للبدن ثلاثة أحوال.
الحالة الأولى : أن تكون رطوبة البدن زائدة على حرارته، وحينئذ تكون الأعضاء قابلة للتمدد والازدياد والنماء، وذلك هو سن النشو والنماء ونهايته إلى ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة.
الحالة الثانية : أن تصير رطوبات البدن أقل ما كانت فتكون وافية بحفظ الحرارة الغريزية الأصلية إلا أنها لا تكون زائدة على هذا القدر، وهذا هو سن الوقوف وسن الشباب وغايته خمس سنين، وعند تمامه يتم الأربعون.
والحالة الثالثة : أن تقل الرطوبات وتصير بحيث لا تكون وافية بحفظ الحرارة الغريزية، وعند ذلك يظهر النقصان، ثم هذا النقصان قد يكون خفياً وهو سن الكهولة وتمامه إلى ستين سنة وقد يكون ظاهراً وهو سن الشيخوخة وتمامه إلى مائة وعشرين سنة فهذا هو الذي حصله الأطباء في هذا الباب، وعندي أن هذا التعليل ضعيف ويدل على ضعفه وجوه :


الصفحة التالية
Icon