وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَوْحَى رَبُّك إلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَدْ بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ : مِنْهَا الْإِلْهَامُ، وَهُوَ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مِنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾.
وَمِنْ ذَلِكَ الْبَهَائِمُ وَمَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا مِنْ دَرْكِ مَنَافِعِهَا، وَاجْتِنَابِ مَضَارِّهَا، وَتَدْبِيرِ مَعَاشِهَا.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي النَّحْلِ أَنْ أَلْهَمَهَا لِاِتِّخَاذِ بُيُوتِهَا مُسَدَّسَةً ؛ فَبِذَلِكَ اتَّصَلَتْ حَتَّى صَارَتْ كَالْقِطْعَةِ الْوَاحِدَةِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْكَالَ مِنْ الْمُثَلَّثِ إلَى الْمُعَشَّرِ إذَا جُمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى أَمْثَالِهِ لَمْ يَتَّصِلْ، وَجَاءَتْ بَيْنَهُمَا فُرَجٌ إلَّا الشَّكْلَ الْمُسَدَّسَ فَإِنَّهُ إذَا جُمِعَ إلَى أَمْثَالِهِ التَّسْدِيسُ، يَحْمِي بَعْضُهَا بَعْضًا عِنْدَ الِاتِّصَالِ.


الصفحة التالية
Icon