وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ لَفْظٍ عَامٍّ حُمِلَ عَلَى مَقْصِدٍ خَاصٍّ ؛ فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، وَلُغَةُ الْعَرَبِ يَأْتِي فِيهَا الْعَامُّ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْخَاصِّ، وَالْخَاصُّ بِمَعْنَى الْعَامِّ ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ : وَتَرَاكِ أَمْكِنَةٌ إذَا لَمْ أَرْضَهَا أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا وَالْمُرَادُ كُلُّ النُّفُوسِ ؛ إذْ لَا تَخْلُو نَفْسٌ مِنْ ارْتِبَاطِ الْحِمَامِ لَهَا.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى نِيَّةِ كُلِّ أَحَدٍ، فَمَنْ قَوِيَتْ نِيَّتُهُ، وَصَحَّ يَقِينُهُ فَفَعَلَ فِعْلَ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَدَهُ كَذَلِكَ، وَمَنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُ وَغَلَبَتْهُ عَلَى الدِّينِ عَادَتُهُ أَخَذَهُ مَفْهُومًا عَلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَالْكُلُّ مِنْ حُكْمِ الْفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا مُقْتَاتًا، وَلَكِنَّهُ كَمَا رُوِيَ فِي ذِكْرِ النَّحْلِ ذُبَابُ غَيْثٍ، وَكَمَا جَاءَ فِي الْعَنْبَرِ أَنَّهُ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ، فَأَحَدُهُمَا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْآخَرُ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ، وَكِلَاهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ، وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ الزَّكَاةَ بِمَا خَصَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُقْتَاتَةِ، وَالْأَعْيَانِ النَّامِيَةِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَلْيُقَفْ عِنْدَهَا.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي، وَهُوَ بِمِنًى، أَلَّا يَأْخُذَ مِنْ الْعَسَلِ وَلَا مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً.