لما ذكر سبحانه من عجائب أحوالِ ما ذَكَر من الماء والنبات والأنعام والنحل أشار إلى بعض عجائبِ أحوالِ البشر من أول عمُره إلى آخره وتطوراتِه فيما بين ذلك وقد ضبطوا مراتبَ العمُر في أربع : الأولى سنُّ النشوء والنماء، والثانية سنُّ الوقوف وهي سن الشباب، والثالثة سنُّ الانحطاط القليل وهي سنُّ الكهولة، والرابعة سنُّ الانحطاط الكبير وهي سنُّ الشيخوخة ﴿ ثُمَّ يتوفاكم ﴾ حسبما تقتضيه مشيئتُه المبنيةُ على حِكَم بالغةٍ بآجال مختلفة أطفالاً وشباباً وشيوخاً ﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ ﴾ قبل توفّيه أي يعاد ﴿ إلى أَرْذَلِ العمر ﴾ أي أخسِّه وأحقرِه وهو خمسٌ وسبعون سنة على ما روي عن علي رضي الله عنه، وتسعون سنة على ما نقل عن قتادة رضي الله عنه، وقيل : خمسٌ وتسعون، وإيثارُ الردِّ على الوصول والبلوغِ ونحوهما للإيذان بأن بلوغَه والوصولَ إليه رجوعٌ في الحقيقة إلى الضُّعف بعد القوة كقوله تعالى :﴿ وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِى الخلق ﴾ ولا عمُرَ أسوأُ حالاً من عمر الهرِمِ الذي يشبه الطفلَ في نقصان العقل والقوة ﴿ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ ﴾ كثير ﴿ شَيْئاً ﴾ من العلم أو من المعلومات أو لكيلا يعلم شيئاً بعد علمٍ بذلك الشيء، وقيل : لئلا يعقِلَ بعد عقله الأولِ شيئاً ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ ﴾ بمقادير أعماركم ﴿ قَدِيرٌ ﴾ على كل شيء يميت الشابَّ النشيطَ ويُبقي الهرِمَ الفانيَ، وفيه تنبيهٌ على أن تفاوتَ الآجالِ ليس إلا بتقدير قادرٍ حكيم ركب أبنيتَهم وعدّل أمزجتَهم على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لما بلغ التفاوتُ هذا المبلغ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon