وقال الإمام : رأيت في كتب الطب أنه تعالى دبر هذا العالم على وجه يحدث في الهواء طل لطيف في الليالي ويقع على أوراق الأشجار فقد تكون تلك الأجزاء لطيفة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار وقد تكون كثيرة بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة وهذا مثل الترنجين فإنه طل ينزل من الهواء ويجتمع على الأطراف في بعض البلدان، وأما القسم الأول فهو الذي ألهم الله تعالى النحل حتى تلتقطه من الأزهار أوراق الأشجار بأفواهها وتغتذي به فإذا شبعت التقطت بأفواهها مرة أخرى شيئاً من تلك الأجزاء وذهبت به إلى بيوتها ووضعته هناك كأنها تحاول أن تدخر لنفسه غذاءها فالمجتمع من ذلك هو العسل، ومن الناس من يقول : إن النحل تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة أشياء ثم إنه تعالى يقلب تلك الأجسام في داخل بدنها عسلاً ثم تقيئه، والقول الأول أقرب إلى العقرب وأشد مناسبة للاستقراء، فإن طبيعة الترنجبين قريبة من العسل في الطعم والشكل ولا شك أنه طل يحدث في الهواء ويقع على أطراف الأسجار والأزهار فكذا ههنا، وأيضاً فنحن نشاهد أن النحل تتغذى بالعسل حتى إنا إذا أخرجنا العسل من بيوتها تركنا لها بقية منه لغذائها، وحينئذ فكلمة من لابتداء الغاية اه.
وأنت تعلم أن ظاهر ﴿ كُلِى ﴾ يؤيد القول الثاني وهو أشد تأييداً له من تأييد مشابهة الترنجبين للعسل في الطعم والشكل للقول الأول لا سيما وطبيعة العسل والترنجبين مختلفة فقد ذكر بعض أجلة الأطباء أن العسل حار في الثالثة يابس في الثانية والترنجبين حار في الأولى رطب في الثانية أو معتدل.