وأرسطو صنعوا لها بيوتاً من زجاج لينظروا إلى كيفية صنيعها وهل يخرج العسل من فيها أم من غيره فلم تضع من العسل شيئاً حتى لطخت باطن الزجاج بالطين بحيث يمنع المشاهدة، وقال بعضهم : المراد بالبطون الأفواه، وسمي الفم بطناً لأنه في حكمه ولأنه مما يبطن ولا يظهر، وهذا تأويل من ذهب إلى أنها تلتقط الذراة الصغيرة من الطل وتدخرها في بيوتها وهو العسل.
وأنت تعلم أن الظاهر من البطن الجارحة المعروفة فالآية تؤيد القول المشهور في تكون العسل.
وفي "الكشف" أن في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ كُلِى ﴾ إشارة لى أن لمعدة النحل في ذلك تأثيراً وهو المختار عند المحققين من الحكماء، ومن جعل العسل نباتياً محضاً وفسر البطون بأفواه النحل فليست شعري ماذا يصنع بقوله سبحانه :﴿ ثُمَّ كُلِى ﴾ وأجيب بأنه يفسر الأكل بالالتقاط وهو كما ترى أن دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، ومن الناس من زعم أنها تجتني زهراً وطلا فالمجتنى من الزهر نفسه يكون عسلاً والمجتنى من الطل يكون موماً والعقل يجوز العكسل ولعله أقرب من ذلك ﴿ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ بالبياض والصفرة والحمرة والسواد إما لمحض إرادة الصانع الحكيم جل جلاله وإما لاختلاف المرعى أو لاختلاف الفصل أو لاختلاف سن النحل، فالأبيض لفتيها والأصفر لكلها والأحمر لمسنها والأسود للطاعن في ذلك جداً.
وتعقب بأنه مما لا دليل عليه، وقد سألت جمعاً ممن أثق بهم قد اختبروا أحوالها فذكروا أنهم قد استقرؤا وسبروا فرأوا أقوى الأسباب الظاهرة لاختلاف الألوان اختلاف السن بل قال بعضهم : ما علمنا لذلك سبباً إلا هذا بالاستقراء، وحينئذٍ يكون ما ذكر مؤيداً للقول المشهور في تكون العسل كما لا يخفى على من له أدنى ذوق.


الصفحة التالية
Icon