ولما كان ما أقامه على ذلك في هذه السورة من الأدلة قد صار إلى حد لا يحتاج معه السامع العاقل إلى أكثر من السماع، قال تعالى ﴿إن في ذلك﴾ الماء المؤثر بتدبيره هذا الأثر العظيم ﴿لآية لقوم يسمعون﴾ هذا التنبيه في هذا الأسلوب المتضمن لما مضى من التشبيه، فيعلمون أنه ينزل من أمره ما يريده فيحيي به أجساد العباد بعد موتها كما أحيى أجساد النبات بالماء بعد موتها وأرواح الأشباح بالعلم بعد موتها، والحاصل ان هذه الأدلة لا تحتاج مع الحس إلى كبير عمل بالقلب غير الانقياد إلى الحق، وترك العناد والجهل، فهو من سماع الأذن وما ينشأ عنه من الإجابة، استعمالاً للشيء في حقيقته ومجازه، ولعله لم يختمها ب " يبصرون " لئلا يظن أن ذلك من البصيرة، فيظن أنه يحتاج فيها إلى كبير فكر فيفوت ما أريد من الإشارة إلى شدة الوضوح.
ولما ذكر سبحانه هذا الأمر العام، ونبه على ما فيه من غريب الصنع الذي غفل عنه لشدة الألف به، أتبعه بعض ما ينشأ عنه من تفاصيل الأمور، المحتوية على عجائب المقدور، وبدأ بأعمها وأشدها ملابسة لهم، وأكثرها في نفسه وأعظمها منفعة ودخلاً في قوام عيشهم، فقال :﴿وإن لكم﴾ أي أيها المخاطبون المغمورون في النعم! ﴿في الأنعام﴾ ولما كانت الأدلة يعبر بها من الجهل إلى العلم قال :﴿لعبرة﴾ فكأنه قيل : ما هي؟ فقيل :﴿نسقيكم﴾ بضم النون في قراءة الجماعة من أسقاه - إذا أعد له ما يشربه دائماً من نهر أو لبن وغيرهما، وبالفتح في قراءة نافع وابن عامر وعاصم في رواية شعبة : من سقاه - إذا ناوله شيئاً فشربه.