قرأ عاصم في رواية أبي بكر :﴿يَجْحَدُونَ﴾ بالتاء على الخطاب لقوله :﴿خَلَقَكُمْ وَفَضَّلَ بَعْضُكُمْ﴾ والباقون بالياء لقوله :﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ﴾ واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لقرب الخبر عنه، وأيضاً فظاهر الخطاب أن يكون مع المسلمين، والمسلمون لا يخاطبون بجحد نعمة الله تعالى.
المسألة الثانية :
لا شبهة في أن المراد من قوله :﴿أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ﴾ الإنكار على المشركين الذين أورد الله تعالى هذه الحجة عليهم.
فإن قيل : كيف يصيرون جاحدين بنعمة الله عليهم بسبب عبادة الأصنام ؟
قلنا : فيه وجهان :
الوجه الأول : أنه لما كان المعطي لكل الخيرات هو الله تعالى فمن أثبت لله شريكاً فقد أضاف إليه بعض تلك الخيرات فكان جاحداً لكونها من عند الله تعالى، وأيضاً فإن أهل الطبائع وأهل النجوم يضيفون أكثر هذه النعم إلى الطبائع وإلى النجوم، وذلك يوجب كونهم جاحدين لكونها من الله تعالى.
والوجه الثاني : قال الزجاج : المراد أنه تعالى لما قرر هذه الدلائل وبينها وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل، كان ذلك إنعاماً عظيماً منه على الخلق، فعند هذا قال :﴿أَفَبِنِعْمَةِ الله﴾ في تقريره هذه البيانات وإيضاح هذه البينات ﴿يَجْحَدُونَ ﴾.
المسألة الثالثة :
الباء في قوله :﴿أَفَبِنِعْمَةِ الله﴾ يجوز أن تكون زائدة لأن الجحود لا يعدى بالباء كما تقول : خذ الخطام وبالخطام، وتعلقت زيداً وبزيد، ويجوز أن يراد بالجحود الكفر فعدي بالباء لكونه بمعنى الكفر، والله أعلم.
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾