احتج أصحابنا بقوله تعالى :﴿لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ على أن المعارف مخلوقة لله تعالى وقالت المعتزلة المراد أنه لا علم لنا إلا من جهته إما بالتعليم وإما بنصب الدلالة والجواب أن التعليم عبارة عن تحصيل العلم في الغير كالتسويد فإنه عبارة عن تحصيل السواد في الغير لا يقال التعليم عبارة عن إفادة الأمر الذي يترتب عليه العلم لو حصل الشرط وانتفى المانع ولذلك يقال علمته فما تعلم والأمر الذي يترتب عليه العلم هو وضع الدليل والله تعالى قد فعل ذلك لأنا نقول المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل وذلك النظر فعل العبد فلم يكن حصول ذلك العلم بتعليم الله تعالى وأنه يناقض قوله :﴿لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢ صـ ١٩٢﴾

فصل


قال ابن عاشور :
جرد ﴿قالوا﴾ من الفاء لأنه محاورة كما تقدم عند قوله تعالى :﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة، وسبحان اسم التسبيح وقد تقدم عند قوله :﴿ونحن نسبح بحمدك﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وهو اسم مصدر سَبَّحَ المضاعف وليس مصدراً لأنه لم يجىء على أبنية مصادر الرباعي وقيل هو مصدر سَبَحَ مخففاً بمعنى نزه فيكون كالغفران والشكران، والكفران من غفر وشكر وكفر وقد كثر استعماله منصوباً على المفعولية المطلقة بإضمار فعله ك ﴿معاذ الله﴾ [ يوسف : ٢٣ ] وقد يخرج عن ذلك نادراً قال :" سبحانك اللهم ذا السبحان" وكأنهم لما خصصوه في الاستعمال بجعله كالعلم على التنزيه عدلوا عن قياس اشتقاقه فصار سبحان كالعلم الجنسي مثل برة وفجار بكسر الراء في قول النابغة :
فحملتُ برّة واحتملتُ فجارِ...


الصفحة التالية
Icon