فصل


قال الفخر :
إن الله تعالى لما أمر آدم عليه السلام بأن يخبرهم عن أسماء الأشياء وهو عليه الصلاة والسلام أخبرهم بها فلما أخبرهم بها قال سبحانه وتعالى لهم عند ذلك :﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض﴾ والمراد من هذا الغيب أنه تعالى كان عالماً بأحوال آدم عليه السلام قبل أن يخلقه وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها، وذلك يدل على بطلان مذهب هشام بن الحكم في أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وقوعها، فإن قيل الإيمان هو العلم، فقوله تعالى :﴿يُؤْمِنُونَ بالغيب﴾ يدل على أن العبد يعلم الغيب فكيف قال ههنا :﴿إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض﴾ والإشعار بأن علم الغيب ليس إلا لي وأن كل من سواي فهم خالون عن علم الغيب وجوابه ما تقدم في قوله :﴿الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب﴾ أما قوله :﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ ففيه وجوه : أحدها : ما روى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أن قوله :﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ أراد به قولهم :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ وقوله :﴿وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أراد به ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وأن لا يسجد : وثانيها :﴿إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من الأمور الغائبة والأسرار الخفية التي يظن في الظاهر أنه لا مصلحة فيها ولكني لعلمي بالأسرار المغيبة أعلم أن المصلحة في خلقها.
وثالثها : أنه تعالى لما خلق آدم رأت الملائكة خلقاً عجيباً فقالوا ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموا ويجوز أن يكون هذا القول سراً أسروه بينهم فأبداه بعضهم لبعض وأسروه عن غيرهم فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان.


الصفحة التالية
Icon